دبريس
جرى، يوم أمس بالرباط، تنظيم حفل تكريم للفقيه والقاضي والأستاذ الجامعي والمدير السابق لدار الحديث الحسنية، أحمد الخمليشي، تقديرا لعطائه العلمي، واجتهاده الفكري، وعرفانا بإدارته الحكيمة.
وشكل هذا الحفل، الذي نظمته مؤسسة دار الحديث الحسنية، مناسبة لتسليط الضوء على المسار الغني حول المنجز والعطاء الفكري للسيد الخمليشي من خلال كلمات وشهادات قدمت في حقه.
وأجمع المتدخلون في شهاداتهم على القيمة العلمية الرفيعة للمحتفى به، ومساره المتفرد عبر عقود، وكذا مؤلفاته التي أغنت الخزانة المغربية في مجالات مختلفة، مبرزين أن السيد الخلميشي يعد مرجعا لكل رجال ونساء القانون بالمغرب.
وبهذه المناسبة، عدّد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، الأدوار العلمية الهامة التي تضطلع بها دار الحديث الحسنية منذ تأسيسها، معتبرا أن هذا الحفل مناسبة لتكريم السيد الخمليشي باعتباره أحد من خدموا هذه الدار وهو تكريم، بحسب قوله، لكل الذين مروا في خدمتها.
كما استعرض المميزات التي طبعت المرحلة التي ترأس خلالها الخمليشي دار الحديث الحسنية وإخلاصه وتفانيه في خدمتها، مؤكدا أنه خدم هذه المؤسسة ومؤسسات أخرى في البلاد بعلمه وفكره.
من جهته، أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، في كلمة تلاها بالنيابة عنه رئيس قطب الدراسات والشؤون القانونية بالتكليف بالمجلس، شكير الفتوح، أن للمحتفى به مسار ترك من خلاله بصمات خالدة في كل المراكز التي اشتغل بها، معتبرا أنه يعد قامة علمية رفيعة ومنارة شامخة في سماء الفقه والقانون والقضاء.
وأكد، في هذا السياق، أن المؤلفات القانونية للسيد الخمليشي مازالت مرجعا للطلبة والمهنيين في مجال العدالة لاستقاء الأجوبة لمختلف الإشكالات القانونية التي تواجههم، لما يميزها من منهجية تجمع بين الفكر الأكاديمي الواسع وبراعة المهني المحترف، مشيرا إلى إسهامات المحتفى به في المرحلة التأسيسية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في ظل الدستور الجديد للمملكة، حين كان من بين الأعضاء الخمسة الذين حظوا بالثقة المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس بتعيينهم أعضاء بالمجلس، وخاصة دفاعه عن سيادة القانون، وحرصه على إنجاح تجربة استقلال السلطة القضائية، وتبويء المجلس المكانة اللائقة داخل البناء المؤسساتي للدولة.
من جانبه، تطرق الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، حسن الداكي، في كلمة مماثلة، إلى خصائص وجوانب متعددة من عطاء السيد الخمليشي، وإسناده لطلبته وإسهامه في البحث العلمي وتجديد الفكر الإسلامي، وكذا تجربته القضائية واستثمارها في خدمة مؤسسات الدولة التي تقلد مناصب فيها.
ووصف السيد الداكي المحتفى به بأنه من أعمدة فقهاء المغرب المعاصر، واللبنة الصلبة التي أنارت مختلف النقاشات التي ساهمت في تعزيز استقلال السلطة القضائية بالبلاد، معتبرا أن هذا التكريم لا يتعلق برجل قانون فقط؛ بل هو تكريم لشخصية قدمت الكثير في مجالات مختلفة وتتلمذ على يديه العديد من الطلبة الذين لم يبخل عليهم بعطائه المنقطع النظير، كما يهم الاحتفاء مُنظرا تجلت آراؤه في مؤلفات طبعت الخزانة المغربية في مختلف المجالات، وقدم كتبا شكلت عصارة تجربته الغنية.
بدوره، اعتبر رئيس جامعة القرويين، أمال جلال، أن هذا الاحتفاء بمثابة التفاتة نبيلة، وتكريم لمعلمة وفكر علمي، ونهج قائم على مبادئ التضحية ونكران الذات اللذان يميزان السيد الخمليشي في مجال البحث العلمي، عدا عن الذاتية المشبعة بروح إنسانية متميزة، معتبرا أن هذه المناسبة اعتراف بدوره في خدمة المسيرة التعليمية في المغرب لأزيد من 50 سنة.
ولخص السيد جلال خصال المحتفى به في أبعادها العلمية والفكرية، مؤكدا أنه في مقدمة الأساتذة الذين كرسوا حياتهم وضحوا بإخلاص في خدمة البحث العلمي، وعمله بتفان على مواكبة التطورات في دار الحديث الحسنية، معتبرا أن مبادرة تكريمه تعد احتفاء بالعلم والعلماء.
أما مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، عبد الحميد عشاق، فقد سلط الضوء على جوانب مختلفة من سمو خلق المحتفى به، وجوانب من شخصيته العلمية التي أضافت الكثير إلى مسيرة هذه المؤسسة.
وأكد أن السيد الخمليشي يتميز بشخصيته الفذة التي امتزج فيها طيب الخلق بروح قيادية مستلزمة للتصرف بحكمة، مضيفا أن مكانته العلمية رفيعة باعتباره أستاذا للأجيال الحقوقية والقانونية، وإسهامه في تعزيز الوعي بالقضايا الاجتماعية والقضايا المستجدة والعناية بمعقولية الأحكام الشرعية وهو ما ينم عن وعي عميق بمقاصد الشرع.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد السيد أحمد الخمليشي أن مختلف محطاته أكسبته تراكما وتجارب على الصعيد العلمي والفكري، ورصيدا من العلاقات الإنسانية المتميزة التي يعتز بها.
ودعا، في هذا السياق، إلى الحرص على ترسيخ قيم العمل والعلم والاجتهاد وتكريس مبادئ التضحية والعدل لخدمة مصالح العامة، وفي سبيل تعزيز لحمة المجتمع وتقدم الأمة المغربية، مشددا على ضرورة تمثل الشباب لهذه القيم والمبادئ.
يذكر بأن أحمد الخمليشي، الذي اشتغل بسلك القضاء إلى غاية سنة 1969 وينخرط بعدها في التدريس الجامعي، له مؤلفات غزيرة ومتنوعة في المجال القانوني وفي الفكر الإسلامي.