دبريس
أكد مشاركون في مائدة مستديرة بالرباط، حول “المرأة، من موضوع في منظومة العدالة إلى فاعلة في التغيير والتطوير” أن تعزيز حقوق المرأة وجعلها فاعلة ومساهمة أساسية في التغيير والتطوير الذي يعرفه المجتمع على مختلف المستويات، يستلزم مقاربة متجددة وضامنة لإلتقائية الأبعاد القانونية والحقوقية والسياسية والاقتصادية.
وأبرز المشاركون، خلال هذا اللقاء الذي نظمته وزارة العدل، بشراكة مع مجلس المستشارين، أن الانتصار لحقوق المرأة والاستماتة في الدفاع عن كل حقوقها يعتبر أحد الرهانات الأساسية لمغرب الغد، معتبرين بأن استشراف أفق الانتقال من “المرأة كموضوع في منظومة العدالة” إلى “فاعلة في التغيير والتطوير” يتطلب أن يكون التمكين القانوني للنساء غير منفصل عن التمكين متعدد الأوجه وخاصة الاقتصادي والسياسي.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس مجلس المستشارين، السيد النعم ميارة، أن التمثيلية السياسية للنساء ورهان المساواة يستوجب مقاربة متجددة ضامنة لالتقائية الأبعاد التنموية والحقوقية والسياسية، للانتقال بمسألة التمكين الشامل للنساء من مجرد أرقام وإحصائيات إلى تحقيق مشاركة منصفة ونوعية ومعبرة عن وضعهن المجتمعي.
وشدد السيد ميارة على أن التمكين السياسي للمرأة لا يرتبط فقط بفتح باب مشاركتها وولوجها إلى المؤسسات السياسية بل بتمكينها الفعلي من اتخاذ القرارات، وهو ما يصطدم بعدد من الاكراهات المرتبطة من جهة بالثقافة ومن جهة أخرى بالبنيات المجتمعية، مسجلا من جهة أخرى، أن مؤسسة مجلس المستشارين تعتبر حاضنة للتداول والحوار بشأن التماس ولوج النساء للعدالة وتطوير منظومتها.
وذكر بأن المملكة حققت، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس، مكاسب غير مسبوقة فيما يخص الحقوق الإنسانية للنساء، وفي مقدمتها إجراء العديد من الإصلاحات الهادفة إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، واتخاذ تدابير خاصة للرفع من تمثيلية النساء في مراكز اتخاذ القرار السياسي والإداري والاقتصادي، إضافة إلى ما عرفته أوضاع النساء من تقدم على مستوى الإدماج الاجتماعي، وارتفاع وتيرة تمدرس الفتيات خاصة في العالم القروي.
من جانبه، أشار رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، في كلمة تلاها نيابة عنه النائب الأول لرئيس المجلس ، محمد الصباري، إلى أن التكريس الدستوري لحقوق المرأة يعتبر مدخلا مهما لتحسين أوضاعها، مسجلا أن دستور المملكة أولى مكانة مهمة للمرأة وحقوقها، حيث ضمن تعهد المملكة المغربية بالتزام ما تقتضيه المواثيق الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.
وأوضح السيد الطالبي العلمي أن البرلمان المغربي عمل على إقرار تشريعات تهدف إلى جعل المرأة التي تشتغل في منظومة العدالة محورا أساسيا وفاعلا في التغيير والتطوير، على رأسها القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي حدد عدد المقاعد المخصصة للنساء القاضيات، من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي بالنسبة لكل هيئة.
وتابع أن المغرب قطع أشواطا كبيرة في تعزيز المسلسل الديمقراطي وتقليص الفوارق والتمييز المبني على النوع الاجتماعي، وذلك بفضل الإصلاحات الدستورية والتشريعية والقانونية، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى انسجام هذه الإصلاحات مع الاتفاقيات الدولية باعتبارها إطارا مرجعيا وتشريعيا، تتعهد بموجبه الدول الأطراف المصادقة عليها بالالتزام بها واحترام مبادئها.
أما وزير العدل عبد اللطيف وهبي، فسجل أن وضعية المرأة شهدت تحسنا كبيرا، حيث استطاعت النساء ولوج مختلف مناصب المسؤولية، مشيرا في هذا الإطار إلى أن المغرب يتوفر على إمكانيات كبيرة كفيلة بتحقيق نجاحات على مستوى النهوض بوضعية المرأة، شريطة التحلي بالشجاعة والنزاهة.
وأبرز السيد وهبي أنه بالرغم من المكتسبات التي حقتتها المملكة في مجال التمكين السياسي والاجتماعي والقانوني للمرأة، غير أن وضعيتها لا تزال تواجه عدة إكراهات فيما يتعلق بالتعليم والولوج إلى القضاء، ولاسيما ما يخص تزويج القاصرات.
كما اعتبر أن ولوج المرأة إلى العدالة ما يزال ضعيفا في شقه المادي، مؤكدا الحاجة إلى مراجعة النصوص القانونية التي تعيق دور المرأة في المجتمع وولوجها إلى القضاء، وكذا تفعيل تمييز إيجابي بالنسبة للمرأة.
من جهته، قال الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، حسن الداكي، إن الانتصار لحقوق المرأة والاستماتة في الدفاع عن كل هذه الحقوق يعتبر أحد الرهانات الأساسية لمغرب الغد، إذ لا يمكن للمجتمع أن يتطور دون تحقيق مناصفة كاملة بين الرجل والمرأة.
وأكد السيد الداكي على أن سياق التحولات التي تعرفها المملكة في هذه المرحلة والتي تتميز بالتطلع إلى تحقيق نموذج تنموي جديد يتطلب أن تكون المرأة فاعلة ومساهمة أساسية في تحقيق التطور الذي يمكن أن يعرفه المجتمع في كافة المستويات، مشيرا إلى أن الظرفية الحالية التي يشهدها المغرب والتي تعرف إصلاحات هيكلية كان لها وقع على المناخ الحقوقي بصفة عامة وعلى حقوق المرأة بصفة خاصة.
وسجل أن المرأة أضحت تتبوأ مناصب سامية في مختلف المستويات كما اقتحمت مجالات للعمل كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجل، كما استطاع بعضهن ولوج عالم المقاولات على المستوى الدولي بفضل الكفاءات التي يتوفرن عليها، وهي كلها مؤشرات تجسد المكتسبات الهامة المحققة .
أما الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، فقد أشار في كلمة تلتها بالنيابة عنه مديرة قطب الشؤون القضائية بالمجلس، لطيفة توفيق، إلى أن تحسين وضعية المرأة يمر عبر تبني آليات النهوض بحقوقها وحمايتها والمتمثلة في تكريس مبدأ المساواة واعتماد آلية التمييز الإيجابي لفائدتها، مشددا على أنه لا يتعين تأسيس حقوق النساء وإسناد المسؤولية إليهن وتمكينهن بناء على جنسهن، بل بناء على قدراتهن وكفاءتهن.
وأفاد السيد عبد النباوي بأن عدد النساء المشتغلات في منظومة القضاء عرف قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، سواء على مستوى الولوج إلى القضاء أو تولي المسؤولية وطنيا ودوليا، مشيرا إلى أن عدد النساء القاضيات بلغ هذه السنة 1860 قاضية، من مجموع 4218 قاضيا، أي بنسبة 25 بالمائة من قضاة المملكة.
ولفت إلى أن الأرقام المسجلة على مستوى حضور القاضيات في مراكز مسؤولية تسيير المحاكم لا تعكس حجم وجودهن النوعي والعددي، عازيا هذا الأمر إلى عدم مبادرتهن إلى الترشح إلى مناصب المسؤولية، وهو ما جعل المجلس يضع توجهات استراتيجية تسعى لضمان المناصفة في إسناد المسؤوليات من خلال تشجيع النساء القاضيات وتحفيزهن على تولي هذه المناصب بالنظر لحاجة السلطة القضائية إلى دعمهن لمسار الإصلاح.
وتم، خلال هذه المائدة المستديرة، التي تروم الوقوف على وضعية ولوج المرأة للعدالة بالمغرب والفرص المتاحة لجعلها فاعلا أساسيا في تطوير آليات منظومة العدالة، إطلاق المنصة الرقمية للتشاور الوطني حول ولوج المرأة للعدالة بالمغرب.
وشكل اللقاء، الذي تضمن جلستين، الأولى همت “وضعية ولوج المرأة للعدالة.. تجارب وطنية ودولية”، فيما تناولت الثانية “مشاركة فعالة للمرأة في تطوير آليات منظومة العدالة”، فرصة لتوعية المؤسسات والجهات الفاعلة وطنيا ومحليا ومنظمات المجتمع المدني المعنية والمتدخلة في مجال المساواة بين الجنسين ومحاربة العنف ضد النساء ، في ما يتعلق بمراعاة النوع الاجتماعي.